و اختلفوا في قوله: فيتعلمون منهما، فقيل أي من هاروت وماروت، وقيل أي من السحر والكفر، وقيل بدلا مما علماه الملكان بالنهي إلى فعله، واختلفوا في قوله: ما يفرقون به بين المرء وزوجه، فقيل أي يوجدون به حبا وبغضا بينهما، وقيل إنهم يغرون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك فيفرق بينهما اختلاف الملة والنحلة وقيل إنهم يسعون بينهما بالنميمة والوشاية فيؤل إلى الفرقة، فهذه نبذة من الاختلاف في تفسير كلمات ما يشتمل على القصة من الآية وجملة، وهناك إختلافات اخر في الخارج من القصة في ذيل الآية وفي نفس القصة، وهل هي قصة واقعة أو بيان على سبيل التمثيل؟ أو غير ذلك؟ وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من الاحتمالات في البعض الآخر، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من الف الف ومائتين وستين الف احتمال.
وهذا لعمر الله من عجائب نظم القرآن تتردد الآية بين مذاهب واحتمالات تدهش العقول وتحير الألباب، والكلام بعد متك على أريكة حسنه متجمل في أجمل جماله متحل بحلي بلاغته وفصاحته وسيمر بك نظيرة هذه الآية وهي قوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) هود - 17.
والذي ينبغي أن يقال: أن الآية بسياقها تتعرض لشأن آخر من شؤون اليهود وهو تداول السحر بينهم، وأنهم كانوا يستندون في أصله إلى قصة معروفة أو قصتين معروفتين عندهم فيها ذكر من أمر سليمان النبي والملكين ببابل هاروت وماروت، فالكلام معطوف على ما عندهم من القصة التي يزعمونها إلا أن اليهود كما يذكره عنهم القرآن أهل تحريف وتغيير في المعارف والحقائق فلا يؤمنون ولا يؤمن من أمرهم أن يأتوا بالقصص التاريخية محرفة مغيرة على ما هو دأبهم في المعارف يميلون كل حين إلى ما يناسبه من منافعهم في القول والفعل وفيما يلوح من مطاوي جمل الآية كفاية، وكيف كان فيلوح من الآية أن اليهود كانوا يتناولون بينهم السحر ينسبونه إلى سليمان زعما منهم أن سليمان عليه السلام انما ملك الملك وسخر الجن والإنس والوحش والطير، واتى بغرائب الأمور وخوارقها بالسحر الذي هو بعض ما في أيديهم، وينسبون بعضه الآخر إلى الملكين ببابل هاروت وماروت فرد عليهم القرآن بأن سليمان عليه السلام لم يكن يعمل