انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر. فقال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومحاورته؟
قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي: أنا إلى ذلك، أما ترضاني له قرنا حسيبا ومحاورا كفيا؟ قال أبو جهل: بلى. فأتوه جميعا فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال:
يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالا هائلا. زعمت أنك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين، وخالق الخلق أن يكون مثلك رسولا له بشرا مثلنا، تأكل كما نأكل، وتشرب كما نشرب، وتمشي في الأسواق كما نمشي. فهذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال، عظيم حال له قصور ودور وفساطيط وخيام، وعبيد وخدم. ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهو عبيده.. لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا، وأحسن حالا. فهلا انزل هذا القرآن - الذي تزعم أن الله أنزله إليك وبعثك رسولا - على رجل من القريتين عظيم، إما الوليد بن مغيرة بمكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهل بقي من كلامك شئ يا عبد الله؟ قال: بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون فإنا إلى ذلك محتاجون، أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمها، وتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فإنك قلت لنا:
وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم، فلعلنا نقول ذلك.
ثم قال: ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا:
كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى.
ثم قال: أو ترقى في السماء ولن نؤمن لصعودك حتى تنزل علينا كتابا من الله العزيز الحكيم، إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد ابن عبد الله بن عبد المطلب، فإنه رسولي، وصدقوه في مقاله فإنه من عندي.