نعم ليس من الغريب أن يفتري الشعبي على الحارث، ويصفه بالكذب فقد كان من صنايع الأمويين يرتع في دنياهم، ويسير على رغباتهم، فقد بعثه عبد الملك بن مروان - كما في كتاب النجوم الزاهرة الجزء 1 ص 208 - إلى مصر بسبب البيعة للوليد بن عبد الملك، ثم تولى المظالم بالكوفة - كما في كتاب الأغاني الجزء 2 ص 120 - من قبل بشر بن مروان أيام ولايته عليها من قبل عبد الملك، ثم تولى القضاء - كما في تاريخ الطبري الجزء 5 ص 310 الطبعة الثانية - من قبل عمر بن عبد العزيز في الكوفة، فهو مرواني النزعة، يقول ويفعل بما يشاء له الهوى، لا يتحرج من كذبه، ولا يتبرم من خطل.
ذكر أبو الفرج في الأغاني الجزء 1 ص 121 عن الحسن بن عمر الفقيمي قال:
" دخلت على الشعبي فبينا أنا عنده في غرفته إذ سمعت صوت غناء فقلت أهذا في جوارك؟ فأشرف بي على منزله فإذا بغلام كأنه قمر وهو يتغنى... قال فقال لي الشعبي: أتعرف هذا؟ قلت: لا: فقال: هذا الذي أوتي الحكم صبيا، هذا ابن سريج ".
وذكر أيضا في الجزء 2 ص 71 عن عمر بن أبي خليفة قال: " كان الشعبي مع أبي في أعلى الدار فسمعنا تحتنا غناء حسنا فقال له أبي: هل ترى شيئا؟ قال:
لا. فنظرنا فإذا غلام حسن الوجه حديث السن يتغنى.. فإذا هو ابن عائشة فجعل الشعبي يتعجب من غنائه، ويقول: يؤتي الحكمة من يشاء ".
وذكر أيضا في الجزء 2 ص 133 " أن مصعب بن الزبير أيام ولايته على الكوفة أخذ بيد الشعبي وأدخله في حجلة زوجته عائشة بنت طلحة، وهي بارزة حاسرة، فسأله عن حالها فأبدى رأيه فيها، ووصفها له بما يريد، ثم أمر مصعب له بعشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا ".
نعم ليس غريبا من الشعبي أن يصف الحارث بهذه الصفة، وقد افترى على أمير المؤمنين عليه السلام كما في القرطبي الجزء 1 ص 158 حيث كان يحلف بالله:
" لقد دخل علي حفرته وما حفظ القرآن ".