الرأي الثاني:
إن سجود الملائكة كان لله، وإنما كان آدم قبلة لهم، كما يقال: صلى للقبلة أي إليها. وقد أمرهم الله بالتوجه إلى آدم في سجودهم تكريما له وتعظيما لشأنه.
ويرده: أنه تأويل ينافيه ظاهر الآيات والروايات، بل ينافيه صريح الآية المباركة. فإن إبليس إنما أبى عن السجود بادعاء أنه أشرف من آدم، فلو كان السجود لله، وكان آدم قبلة له لما كان لقوله:
" أأسجد لمن خلقت طينا 17: 61 ".
معنى لجواز أن يكون الساجد أشرف مما يستقبله.
الرأي الثالث:
إن السجود لآدم حيث كان بأمر من الله تعالى فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له.
وبيان ذلك: أن السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع، ولذلك قد خصه الله بنفسه، ولم يرخص عباده أن يسجدوا لغيره، وإن لم يكن السجود بعنوان العبودية من الساجد، والربوبية للمسجود له. غير أن السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله كان في الحقيقة عبادة له وتقربا إليه، لأنه امتثال لامره، وانقياد لحكمه، وإن كان في الصورة تذللا للمخلوق. ومن أجل ذلك يصح عقاب المتمرد عن هذا الامر، ولا يسمع اعتذاره بأنه لا يتذلل للمخلوق، ولا يخضع لغير الامر (1).
وهذا هو الوجه الصحيح: فإن العبد يجب أن لا يرى لنفسه استقلالا في