طريق تكاملهم، وحصولهم على السعادة الكبرى، والتجارة الرابحة. فإذا لم يكلفهم الله سبحانه، فإما أن يكون ذلك لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف، وهذا جهل يتنزه عنه الحق تعالى، وإما لان الله أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق، وإما لأنه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك، وهو عجز يمتنع على القادر المطلق، وإذن فلا بد من تكليف البشر، ومن الضروري أن التكليف يحتاج إلى مبلغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه:
" ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة 8: 44 ".
ومن الضروري أيضا أن السفارة الإلهية من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدعون، ويرغب في الحصول عليها الراغبون، ونتيجة هذا أن يشتبه الصادق بالكاذب، ويختلط المضل بالهادي. وإذن فلا بد لمدعي السفارة أن يقيم شاهدا واضحا يدل على صدقه في الدعوى، وأمانته في التبليغ، ولا يكون هذا الشاهد من الافعال العادية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها، فينحصر الطريق بما يخرق النواميس الطبيعية.
وإنما يكون الاعجاز دليلا على صدق المدعي، لان المعجز فيه خرق للنواميس الطبيعية، فلا يمكن أن يقع من أحد إلا بعناية من الله تعالى، وإقدار منه، فلو كان مدعي النبوة كاذبا في دعواه، كان إقداره على المعجز من قبل الله تعالى إغراء بالجهل وإشادة بالباطل، وذلك محال على الحكيم تعالى. فإذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالة على صدقه، وكاشفة عن رضا الحق سبحانه بنبوته.
وما ذكرناه قاعدة مطردة يجري عليها العقلاء من الناس فيما بشبه هذه الأمور، ولا يشكون فيها أبدا، فإذا ادعى أحد من الناس سفارة عن ملك