تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٢١١
خاطبهم على طريقة الالتفات إنكارا لكفرهم وتوبيخا لهم عليه مع علمهم بحال يقتضي خلاف ذلك، فإن الانكار والتوبيخ إذا توجه إلى المخاطب كان أبلغ. أو معهم مع المؤمنين، أو مع المؤمنين فقط.
و (كيف) يصلح للسؤال عن الأحوال كلها، لا بمعنى أنه مستغرق لها، بل قد يستغرق بمعونة المقام، وقد لا يستغرق فإذا قصد الانكار، وهو في معنى النفي، ونفي الحال الذي يقتضيها، كيف إنما يتحقق بنفي جميع أفرادها! بل هي كالنكرة الواقعة في سياق النفي في إفادة العموم، فكأنه قيل: لا يصح ولا ينبغي أن يوجد حال ما لكفرهم وقد علمتم أنكم كنتم أمواتا الآية، وإذا لم ينبغ أن توجد حال من أحوال الكفر مع وجود هذا الصارف، أما لأنه يتضمن آيات بينات أو نعما جساما، حقها أن لا يكفر بمولاها، فينبغي أن لا يوجد كفركم معه، لان وجود ذات بلا حال محال، فإن وجد معه فهو مظنة توبيخ وإنكار وتعجيب وتعجب.
وخص بعضهم الحال بما له مزيد اختصاص بالكفر بالله، وهو العلم بالصانع والجهل به، فالمعنى: أفي حال العلم بالله تكفرون أم في حال الجهل؟ والحال حال العلم بمضمون القصة الواقعة حالا، والعلم به يقتضي أن يكون للعاقل علم بأن له صانعا متصفا بالعلم والقدرة وسائر صفات الكمال، وعلمه بأن له هذا الصانع صارف قوي عن الكفر، وصدور الفعل عن القادر مع الصارف القوي مظنة تعجيب وتعجب وإنكار وتوبيخ، فنفي الكفر بمعنى لا ينبغي أن يقع على كلا التقديرين بطريق الكناية، لأنه لزم من إنكار الحال مطلقا إنكار الكفر، لزم من إنكار حاليته أعني العلم والجهل أيضا إنكاره، إذ لا ثالث لهما، ولهذا صار (كيف تكفرون) أولى من (أتكفرون) فاختير عليه.
وأيضا لما بعدها من الحال وهي في الآية منصوبة على التشبيه بالظرف عند سيبويه (1) أي في أي حال تكفرون، وعلى الحال عند الأخفش (2) أي على حال تكفرون، والعامل فيها على التقديرين تكفرون، وصاحب الحال الضمير فيه.

(1) شرح الكافية: ج 2، ص 117.
(2) شرح الكافية: ج 2، ص 117.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست