أن الكلام خرج فيه على الاختصار. فان سألوا لم قيل لكل كافر مشرك؟ قلنا: كما قيل لمن عاند النبي صلى الله عليه وآله كافر، وإن لم يجحد شيئا من نعم الله سبحانه، إلا أنه لما استكبر على رسول الله صلى الله عليه وآله عنادا ولم يخضع له انقيادا صار عظيم جرمه كعظيم جرم من جحد نعم الله سبحانه، فكذلك سمي كل كافر مشركا، لأنه قد بلغ بعظم جرمه مبلغ جرم الذي أله الأصنام وعبد مع الله الأوثان.
ومن شعب هذه المسألة ما روي أن سائلا سأل جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام [١] عن قوله سبحانه: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) [٢]، فقال (ع): المراد بذلك شرك طاعة لا شرك عبادة، كما يقول القائل: لولا الله وفلان لفعلت كذا وأقدمت على كذا، وكطاعة الرجل فيما لا يحل وتعظيمه من لا يستحق، وما سمى الله سبحانه النصارى مشركين إلا في آية واحدة، وهي قوله تعالى:
﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ (3) فأجرى سبحانه عليهم اسم الشرك كما اجرى عليهم اسم الكفر. وفي ما ذكرناه من ذلك كفاية ومقنع بتوفيق الله تعالى.
تم الجزء الخامس من كتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل.