السيئات لمن اجتنب الكبائر.
فان قيل: فيجب ألا يكون في الكلام فائدة إذا كان لا يعلم به إلا ما كان مقررا في العقل [1] من قبله. قلنا: ليس الامر كذلك، لأنه قد كان يجوز في العقل الا يكون في المعاصي ما يغفر البتة، وإنما يعلم ذلك بهذه الآية، لأنها قد دلت على أن فيها ما يغفر وإن كان لا يغفر إلا بالاستحقاق.
وبعد، فان ذلك يدل على أنه تعالى قادر على الغفران، ويصح ذلك منه، وأنه يشاء غفران بعض الذنوب، وذلك بمنزلة قوله تعالى:
(إن الله على كل شئ قدير)، في أنه لا يفعل كلما يقدر عليه مما تمنع الحكمة منه. وبعد، فإذا علم تعالى أن الصلاح للمكلف ان يتوقف في هذه الآية عند ورودها، ويجوز الغفران في بعض المعاصي دون بعض، لم يمتنع ان يخاطب بها لهذا الغرض الراجع إلى مصلحة المكلف.
على أنه قد ثبت أن المشيئة إذا دخلت في الكلام الذي يدل ظاهره على الامر المراد، أوجبت التوقف، ولذلك أمرنا تعالى على طريق التأديب لنا فيما نخبر به عن المستقبل من أفعالنا ان نقيده بمشيئة الله سبحانه; فإذا صح ذلك فيجب [2] أن يكون دخول مشيئته في هذا الكلام يقتضي التوقف، وفي ذلك إبطال تعلقهم بظاهر الخطاب، وإنما كان يصح تعلقهم به لو قال: (ويغفر ما دون ذلك)، مطلقا، فأما إذا قال: (لمن يشاء) فالتعلق به لا يصح. على أنه لو قال: (ويغفر ما دون ذلك)،