السيئات بفعل الثواب، فيصير كالساتر للمعاصي، وهذه حقيقة الغافر في أصل اللغة، وقد علمنا أن الغفران على هذا الحد لا يصح إلا للتائبين ولأصحاب الصغائر، لأنه يصح في كلا الوجهين اثبات الثواب، وفي غفران الكبائر لا يصح ذلك، فلو جعل هذا الوجه كالدلالة على صحة ما تأولنا الآية عليه حتى تكون دالة على ما نقوله، لكان أقرب.
فان قالوا: انه سبحانه وإن كان يغفر الذنوب ويضاف الغفران إليه، فلا وجه - إذا كان واجبا - لتعليقه بالمشيئة. قيل لهم: إذا كان كل ما يفعله تعالى من واجب وتفضل لا بد من أن يكون مريدا له ولا بد في الثواب أيضا من أن يكون معه فاعلا له على وجه مخصوص يقتضي انه مريد له على وجوه، فما الذي يمنع من إضافة ذلك إلى المشيئة؟.
وبعد، فان المشيئة في مثل هذه الحال إنما تدخل لتمييز امر من امر ولا يكون المقصد بها ظاهرها، فما الذي يمنع من ذلك أيضا؟
فأما قولهم: إذا كان تعالى في صدر الكلام قد أراد التفضل فكذلك يجب فيما بعده، فجوابه أن يقال لهم: ولماذا يجب ذلك؟.
فان قالوا: لان الحكيم لا يجوز ان يتكلم بجملتين من الكلام فيشترط في أولاهما ما لا يشترط في الثانية. قيل لهم: ولم يجب ذلك وإحدى الجملتين مستقلة بنفسها مستغنية عما يبني عليها، فلها حكمها! فما الذي يمنع من كونها مشروطة دون الجملة الثانية! يبين ذلك أنه لو ذكر الشرط فيها مصرحا ولم يذكره في الثانية لكان ذلك غير ممتنع، فإذا صح ما قلنا كان أولى بألا يمتنع فيما يثبت من الشرط بالدلالة، فما المانع من