أراد أن يبين مفارقة الجملة الأخرى لها من وجه، لان هذا هو الواجب في موضع ما جرى هذا المجرى من الكلام، فإذا كانت الجملة الأولى مشروطة بفقد [1] التوبة، فيجب أن تكون الثانية غير مشروطة بذلك، فكأنه تعالى بين أن ما دون الشرك قد يكون فيه ما يغفر بمجانبة الكبائر، وانه مخالف للشرك في ذلك، ولم يرد تعالى أن يميز ما هذه حاله، لان ذلك لا يمكن الا بتعريف الصغائر، وتعريف الصغائر [2] غير جائز، لما فيه من الاغراء بالمعاصي وتسهيل الطريق في التخطي من الصغائر إلى الكبائر. ولأجل هذا روي (عن 3) بعض العلماء الصالحين أنه قال: (اجعل بينك وبين الحرام حاجزا من الحلال، فإنك إذا استوفيت الحلال كله تاقت نفسك إلى الحرام ففعلته) [4].
فاما تعلقهم بأن الحكيم لا يجوز أن يتمدح بأنه لا يغفر الشرك تفضلا [و 5] بأنه يغفر ما دونه واجبا، فالجواب عنه: أن الغفران لا يتضمن الوجوب ولا التفضل، وإنما يتضمن الفعل المخصوص فقط، وهو بمنزلة قول القائل: (لا أعطي زيدا مالا)، في أنه لا يتضمن وجوبا ولا تفضلا، فإذا قال: وأعطي مالا من أشاء من أولادي، لم يجب ان يريد بذلك التفضل دون الواجب، وذلك بين.
وقد اتت هذه الجملة من وراء شبه المخالفين، وإنما غرضهم بهذه