أن جميع هؤلاء ليس ممن يشاء ان يغفر لهم، ما [1] ذكره تعالى انه يعذبهم عليه من هذه الذنوب التي دون الشرك، إذ كان تعالى قد أعلمنا انه يعذبهم كما أعلمنا أنه يعذب الكفار بعد قوله تعالى: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء..) [2]، فكان من يغفر لهم ما دون ذلك هم أهل الصغائر، الذين وعدهم غفرانها باجتناب الكبائر في قوله تعالى: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)، فلم يجب - لاشتراط مشيئة الغفران لما دون الشرك - أن نشك في غفران الصغائر لمجتنبي الكبائر، كما لم يجب أن نشك في تعذيب أهل الكبائر التي هي دون الشرك، لاشتراط المشيئة في الغفران لهم.
ومما يدل على ذلك أنا قد اجمعنا على أن قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) معناه: انه يعذب على الشرك به، فوجب أن يكون اخباره بأنه يعذب القاتل والزاني ومن أشبههما من أهل الكبائر هو إخبار بأنه لا يغفر لهم، إذ كان (لا يغفر) معناه (يعذب)، فكذلك قوله تعالى: (يعذب) هو إخبار بأنه لا يغفر، فإذا صح ذلك بأنه لا يغفر الشرك، ولا يغفر ما قال: إنه يعذب عليه مما دون ذلك من الكبائر التي ليست بشرك، وإذا كان هذا هكذا، فقد وجب انه لا يغفر الشرك ولا ما دونه من الكبائر التي ليست بشرك، لاستواء كل واحد من الدليلين في نفي الغفران وايقاع العذاب.