(تسوى) أراد تفعل من التسوية، والمعنى - كما قلنا أولا - أنهم تمنوا لو يجعلون والأرض سواء، ومن هذا قوله تعالى: (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) [1] على أحد التأويلين، اي (2): نجعلها صفحة واحدة لا ينفصل بعضها عن بعض كخف البعير، فتعجز لذلك عما يستعان عليه بالبنان مباشرة الاعمال اللطاف: كالكتابة والنساجة والبناء والصياغة ونحو ذلك، ومن أقسام العرب المذكورة عنهم: (والذي شقهن خمسا من واحدة) يعنون البنان من الكف.
ومن قرأ (لو تسوى) بتشديد السين، فإنما أراد لو تتسوى، فأدغم التاء في السين لقربها منها، وذلك مطاوع لو تسوى لأنك تقول:
سويته فتسوى. ولا ينبغي أن نكره اجتماع التشديدين ههنا لأنه قد جاء في القرآن مثله، وذلك قوله تعالى: (اطيرنا بك وبمن معك..) [3] وقوله: (لعلهم يذكرون) [4] ونحو ذلك.
وفي هذا الوجه ضرب من الأنساع، لان الفعل فيه قد أسند إلى الأرض، وليس المراد انهم تمنوا لو تصير الأرض مثلهم فتسوي بهم، وإنما تمنوا أن يصيروا مثلها فيستووا بها، وجاز [5] ذلك، لأمان الالتباس وارتفاع الايهام، كقولهم: ادخل فوه الحجر، وإنما المراد دخل الحجر فاه، ولكن قالوا ذلك لزوال الالتباس.