والأظهر إلى الأخفى والأغمض، بلا دليل هاد ولا أمر داع وفيه إلغاز وإيهام يتعالى الله سبحانه عنهما ولا يحتاج إليهما.
وعلى ذكرنا قول الله سبحانه: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل)، فقد كان شيخنا أبو الفتح النحوي عمل في آخره عمره كتابا يشتمل على الاحتجاج بقراءة الشواذ، ناحيا به نحو أبي علي الفارسي في عمله كتاب الحجة، وهو الاحتجاج للقراءة السبعة، فقال فيه محتجا لقراءة من قرأ في الزخرف: (ونادوا يا مال ليقض علينا ربك.. - 77) بالترخيم، بعد ذكره وجوها في ذلك:
(يجوز أن يكون إنما ذكر ذلك على وجه الحكاية لكلام الكفار وهم في أطوار العذاب، لأنهم لشدة آلامهم وإطباق العذاب عليهم قد ضعفت قواهم وخفيت أصواتهم وضعفوا عن تتميم اسم مالك عند ندائهم له ضعف أنفاس وخفوت أصوات، فحكى سبحانه قولهم ذلك على وجهه) وكان يعلو به التغلغل في استنباط المعاني والتولج إلى غامضاتها والغوص على قرارتها، إلى أن يورد مثل هذا الذي ربما خدش به فضله، الذي لا مغمز فيه ولا مطعن عليه، ومع ذلك فهو في هذا العلم السابق المسوم [1] والأول المقدم والبحر الجموم [2] والدليل المأموم.
وقد كان بعض علماء الوقت خاوضني في ذلك، فقال في كلامه:
(ترى شيخنا ابا الفتح لم يسمع قول الله سبحانه في صفة الكفار المعذبين في نار جهنم نعوذ بالله منها: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا