منها نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل)، والاصطراخ ضد ما توهمه من خوفت أصواتهم وانقطاع أنفاسهم، ومن يمكنه رفع الصوت بالضجيج والصراخ الشديد لا يمكنه (1) أن يتمم اسما في الندا، حتى ينقص منه ضعفا وقصورا وذبولا وخفوتا). فحكيت هذا القول لأبي الفتح فقال: (وما ينكر من هذا؟ ألا تعلم أن أهل النار ينتهي بهم العذاب إلى حد لا يبقى معه فضل في جسومهم ولا في نفوسهم حتى تبدل جلودهم وتعاد قواهم، ليتكرر العذاب عليهم، كما ذكر تعالى في كتابه فقال:
(كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ..) (2)، فما ينكر هذا المعترض من أن يكون ضعفهم عن تتميم الكلام في حال ذهاب القوى وتلاشي النفوس، واصطراخهم وضجيجهم في حال إعادة القوى وتبديل الجلود (وهدء النفوس) (3). وهذا لعمري قول!
أقول: ومن شجون هذا الكلام ما روي عن أبي عبيدة أنه سئل عن وجه هذه القراءة وفي قوله تعالى: (ونادوا يا مال ليقض علينا ربك) فقال: (إن أهل النار لفي شغل عن الترخيم). يؤمي بذلك إلى أن الترخيم من اتساعات الكلام ومصارف اللسان، لا يكاد يستعمل إلا عند فراغ البال وطلب الانسان الأغراب في الخطاب. وبعد فليس هو بأس ولا أصل (4)، وإنما هو نيف (5) وفضل، فالخطاب الأعم الأكثر إنما يجب أن يكون بالأعراف الأظهر لا الأقل الأغمض.