مرة، وبغير ذلك مما يطول الكلام باستقصاء ذكره. والشعر في هذا المعنى أكثر من أن نحيط بأقطاره أو نجمعه من أطرافه.
ومما يقوى به قول من قال: (إن السكر ههنا من النوم لا من الخمر) أن النوم والسكر من الشراب يرجعان إلى أصل واحد، وذلك الأصل هو السهو، وإنما تتغير أسماؤه لاختلاف الأحوال به، فإذا قارن السهو استرخاء واستراحة سمي نوما، وإن قارنه ضعف أو علة سمي إغماء، وإذا استمر بالإنسان مع استمرار الصحة سمي جنونا، وإذا قارنه فتور ونشاط سمي سكرا، ولا يمتنع في المعاني أن تختلف احكامها وأسماؤها لوقوعها على وجوه مختلفة وأنحاء مفترقة.
فان قال قائل: هلا قلتم: إن النوم هو استرخاء الجسم على وجه الاستراحة إذا قارنه السهو! ولم (1) صرتم بأن تجعلوه اسما للسهو على الوجه الذي قلتموه أولى (2) من أن تجعلوه اسما للاسترخاء على هذا الوجه؟. قيل له: إن الحال في الاسترخاء تختلف على الجسم، ولا تختلف حاله في كونه نائما إذا حصل فيه ما قلنا من السهو، ولو اختلفت حال السهو لم يوصف بذلك، فعلم أن النوم هو السهو إذا كان على الصفة المذكورة، فصح أن المراد ههنا بالسكر هو غلبة النوم على الانسان حتى يعقل لسانه وينقص بيانه، ولذلك قال تعالى: (حتى تعلموا ما تقولون)، اي: حتى تزول عنكم أغباش (3) النعاس. وتتحققوا مخاريج الكلام، إلا أن تسمية السكران من الشراب حقيقة، وتسمية