وقال أبو الحسن عقيب ذلك: فنضع الامر على أنه لم يقصد به إلى هذه الحال فآلت حاله إلى هذا المعنى بشئ عرض له من هواء أو غيره.
وأقول: إن هذا الخبر واهن القاعدة [1] مضطرب الرواية، لان بعض ناقليه منهم علي أمير المؤمنين (ع) [2]، ولان المعلوم الظاهر
(1) وفي (خ): واهي الألفاظ.
(2) الظاهر أنه يعني عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد، أو عبد الله بن عيسى بن هامان الرازي، لأنه كان منحرفا عن علي (ع) وكان يرى أن عمار بن ياسر كان فاسقا لخروجه معه حكى ذلك العسقلاني عن محمد بن حميد الرازي وعنه أنه قال سمعت منه عشرة آلاف حديث فرميت بها. وقد يضم إليه في الاتهام الفقيه الموصلي فلقد كان مع ضعفه منحرفا أيضا. اما عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبوه فقد كانا من ثقاته غير متهمين عليه ولكن عبد الرحمن قتل أبوه بصفين وما كان عمر ولده يتجاوز اثنين وعشرين عاما وما كان علي (ع) لينادم شابا أنصاريا مثله مع وجود أبيه، أو يقره على الشرب في بيته وهو يومئذ خليفة قد نصب نفسه قدوة لعامة المسلمين شاهدهم وغائبهم، وهذا من أبين الدلائل على وضع الحديث وافتعاله. اما إذا صح فإنه يجب حمله على شرب النبيذ الذي تواتر عن أئمة الحديث رواية ان النبي صلى الله عليه وآله كان يشربه في جميع أيام حياته وهو نبيذ التمروالزبيب يصنع غدوة ويشرب عشية ويصنع عشية ويشرب غدوة.
وهذا ليس بمسكر ولا محرم وقد شربه الصحابة والتابعون وكثير من الأئمة، وعسى أن يكون عبد الرحمن عندما شربه عرض له من باب الاتفاق ريح في بطنه أو دوار في رأسه فاحتاج إلى من يهديه إلى بيته، اما ما أشرنا إليه من الرواية في شرب النبي (ص) فقد رواه مسلم في صحيحه عن عائشة وعن ابن حزن القشيري عنها وعن غيرهما، ورواه النسائي في صحيحه عنها وعن عبد الله بن ديلمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله، وروى أصحاب الصحاح والسنن أيضا عن ابن عباس وعن البهراني وغيرهما (ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشرب النبيذ إلى ثلاث أيام من يوم ينبذ فان بقي منه شئ بعد ذلك سقاه الخادم أو امر به فأهريق) قال الحافظ العسقلاني في شرح البخاري حاكيا عن أبي المنذر: ان الشراب المدة التي ذكرتها عائشة يشرب حلوا واما في الصفة التي ذكرها ابن عباس فقد ينتهي إلى الشدة والغليان ولكن يحمل ما ورد عن امر الخده بشربه على أنه لم يبلغ الشدة وان قرب منها والا كان مسكرا حراما مطلقا.
عبد الحسين الحلي