السوية ويكدر الأذهان الصافية، ألا ترى ان العرب قد أكثرت في اشعارها من تشبيه النوم بالسكر لاجتماعهما في الأوصاف التي ذكرناها، حتى سموا الركب المدلجين نشاوى وسكارى، ووصفوا أعناقهم بالتمايل والتولي والاضطراب والتثني، حتى قال شاعرهم (في ذلك) [1]:
وركب سروا حتى كأن رقابهم * من السكر في الظلماء خيطان خروع [2] فشبه أعناقهم لشدة تثنيها من السهر بعيدان الخروع، وهو: النبت المعروف ويسمون أيضا كل نبت لين: خروعا، وإنما سمي خروعا لما فيه من اللين والاسترخاء، والواو زائدة، وأصله الاسترخاء واللين، ومنه قولهم: امرأة خريع، إذا كانت ناعمة الجسم، وقيل أيضا للمرأة الفاجرة [3]: خريع، من هذا، لأنها تلين لكل جاذب وتنثني لكل قائد. ومما قيل أيضا من الشعر في ذلك قول بعضهم:
كأن هامهم، والنوم واضعها * على المناكب، لم تعمد بأعناق ومنه قول ذي الرمة في صفة ركب ادلجوا، فأثر فيهم السهر، وأحسن في التشبيه كل الاحسان:
بركب سروا حتى كأن اضطرابهم * على شعب الميس اضطراب الغدائر (4) والغدائر: الذوائب. فقد شبهوا القوم المتمايلين من شدة السهر - كما ترى - بتحرك الذوائب مرة، وشبهوهم أيضا بنوس القرطة (5) في الآذان