٧ - واما أبو علي فإنه يؤول قوله تعالى: (ولا يكتمون الله حديثا) على وجهين: أحدهما، أنهم لا يكتمون الله تعالى في الآخرة أمرهم عند ظهور الشهادات والامارات ونطق الأعضاء الصامتات، فلا بد مع ذلك من وقوع الاعتراف والاقرار والتسليم والاذعان. والآخر، أنهم لا يكتمون الله تعالى أحوالهم في الدنيا، بمعنى ان ذلك لا يتأتى لهم، لأنه تعالى المطلع على السرائر والمستبطن للضمائر، فكان في هذا القول تحذير لهم من استعمال الرياء وإضمار النفاق وابطان الأمور المنكرات، فان ذلك وإن صح كتمانه عن العباد فلا يصح كتمانه عن رب العباد.
فإن كان قوله تعالى: (ولا يكتمون الله حديثا) داخلا في باب تمنيهم - على قول من قال ذلك - فالمراد انهم تمنوا يوم القيامة ان يكونوا لم يكتموا الله تعالى حديثا في الدنيا، لان في الآخرة لا يصح منهم كتمان حديثهم وقد أصحرت السرائر وظهرت الضمائر، فلا وجه لتمني ذلك منهم.
فان قيل: إذا لم يجز أن يفعلوا في الآخرة القبيح فكيف يجوز منهم أن يتمنوا ما لا يكون!. فجوابه: أن تمنيهم لما لا يكون لا يقبح منهم فلا يجب ان يمنعوا منه بالالجاء لفعل القبيح، وربما كان التمني زائدا في الحسرة ومضاعفا للغصة، وهذا كقوله تعالى: ﴿يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم﴾ (1) لأن هذه الإرادة لا يكاد ينفعك منها من عركه البلاء وعضته الضراء، فكذلك لا يكاد ينفك من مثل التمني المقدم ذكره.