بي إلى حيث ذهبت بي، اي: جمعت لي بين هذين الامرين، فكذلك هؤلاء تمنوا هذين الامرين جميعا، وهو ألا يكتموا الله حديثا وان تسوى بهم الأرض، فالتمني في هذا الوجه منتظم للامرين كليهما، وهو في الوجه الأول متعلق بتسوى الأرض بهم حسب، وهو منتهى وقوع التمني وصار ما بعد ذلك مستأنفا، فكأنه تعالى قال: وهم لا يكتمون الله حديثا.
5 - ووجه آخر، قيل: معنى (ولا يكتمون الله حديثا) انهم لا يقصدون الكذب، لان دواعي الكذب قد ارتفعت عنهم في الآخرة، فقولهم على ذلك: (والله ربنا ما كنا مشركين) معناه أنهم عند أنفسهم في الدنيا لم يكونوا كذلك، لأنهم كانوا يعتمدون ان عبادة الأصنام تقربهم إلى الله تعالى، وكانوا عند نفوسهم موحدين مؤمنين وهم ضالون مشركون.
6 - ووجه آخر، قال بعضهم: معنى ذلك انهم أملوا أملا فخاب أملهم وانعكس عليهم ولم يقع الامر بمحبتهم. وذلك أن من عادة الناس في الدنيا أنهم إذا عوقبوا فتضوروا واستغاثوا وتألموا، فان العذاب يسهل عليهم بعض السهولة بتكرر الكلام وشكوى الآلام، كتألم المضروب واسترواح المكروب، فقولهم: (والله ربنا ما كنا مشركين)، وقولهم: (ربنا ظلمنا أنفسنا) [1] وقولهم: (ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا) [2]،