تول عنهم فانظر ماذا يرجعون) [1] والمراد: فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم، وكقوله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) [2] والمراد: ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين ما عليك من حسابهم من شئ فتطردهم، فأخر (فتكون) وهو مقدم في المعنى، وقدم (فتطرد) باللفظ وهو مؤخر في المعنى.
وقد ذكر هذا الوجه أبو جعفر الإسكافي من المتكلمين، وأبو الحسن الأخفش من النحويين. وهذا القول لا يسوغ على قراءة من قرأ:
(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم) بفتح الهمزة، لان التقدم والتأخر لا يغير الكلام عما هو عليه فيما يستحقه الاعراب والبناء، كما أنك إذا قلت: ضرب زيد عمرا، وكان زيد فاعلا كان مرفوعا في التقديم والتأخير، وكان المفعول منصوبا كذلك، فلم يكن للتقديم والتأخير تأثير فيما يجب من الاعراب للفاعل والمفعول، فلو كان الامر ههنا على ما ذكر من التقديم والتأخير، لوجب أن تكون القراءة بفتح الهمزة في إنما الثانية وكسرها في إنما الأولى، لان وقوع فعل لا يحسبن على الثانية ههنا، فكأنه تعالى قال: (لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما - بفتح الهمزة - إنما نملي لهم خير لأنفسهم - بكسرها -)، وكان يجب أيضا أن يكون خير ههنا منصوبا مع كسرهم إنما، فلما لم يجز