كانوا في صدر الاسلام يتجنبون مخالطة اليتامى تحرجا فيهم وإشفاقا على دينهم، فلا يأكلون لهم طعاما ولا يلبسون لهم ثوبا، حتى أن الرجل منهم كان لا يستظل بجدار اليتيم احترازا لدينه واستظهارا ليقينه. وقيل: إن ذلك إنما فعله المسلمون وأخذوا أنفسهم به لما أنزل سبحانه: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا 10)، فتجنبوا حينئذ مخالطة اليتامى واستنكاح النساء منهم، وعزل كل من كان يربي يتيما ويكفله، ذلك اليتيم في بيت أفرده به، وأخدمه خادما منقطعا إليه، فشق على المسلمين عزلة اليتامى وترك مخالطتهم وتجنب مطاعمتهم ومشاربتهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فنزلت: (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى... الآية) وقد تأول العلماء معناها بعد هذه المقدمة التي [1] قدمناها على وجهين:
أحدهما، أن يكون المراد بذلك فان كنتم تتحرجون من مخالطة اليتامى مخافة ألا تقسطوا فيهم فتحرجوا من الجمع بين النساء من غير أن تعدلوا بينهن، لأن النساء في حجور الأزواج، كما أن اليتامى في حجور الولاة، فالجامع بين البابين الحجر، فقيل لهم: أقلوا من الجمع بين النساء لتتمكنوا من العدل، بينهن، كما تحبون أن تعدلوا بين اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم منهن، فوصل النكاح بالخوف [2] لهذه العلة، وذلك أن أحدهم كان يتزوج الجماعة من النساء، ثم لا يقسم منهن إلا لبعض دون بعض،