المتقدمين، والبلغاء المحذقين، فضلا عما هو أعلى طبقات الكلام وابعد مقدورات الأنام.
وإني لأقول أبدا: إنه لو كان كلام يلحق بغباره، أو يجري في مضماره - بعد كلام الرسول صلى الله عليه وآله - لكان ذلك كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ كان منفردا بطريق [1] الفصاحة، لا تزاحمه عليها المناكب، ولا يلحق بعقوه [2] فيها الكادح الجاهد، ومن أراد أن يعلم برهان ما أشرنا إليه من ذلك، فلينعم النظر في كتابنا الذي ألفناه ووسمناه ب (نهج البلاغة)، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع الينا، من كلام أمير المؤمنين (ع) في جميع الأنحاء والأغراض، والأجناس والأنواع: من خطب وكتب ومواعظ وحكم، وبوبناه أبوابا ثلاثة، لتشتمل على هذه الأقسام مميزة مفصلة، وقد عظم الانتفاع به، وكثر الطالبون له، لعظيم قدر ما ضمنه: من عجائب الفصاحة وبدائعها، وشرائف الكلم ونفائسها، وجواهر الفقر [3] وفرائدها.
وكلامه (ع) مع ما ذكرناه من علو طبقته وحلو طريفته [4]، وانفراد طريقته، فإنه إذا حول ليلحق غاية من أداني غايات القرآن، وجدناه ناكصا متقاعسا، ومقهقرا راجعا، وواقفا بليدا [5]،