القرآن، أنا اذهب إليه وأتبع نهجه فيه، وهو: اعتقاد أنه ليس شئ من الحروف جاء في القرآن إلا لمعنى مفيد، ولا يجوز أن يكون لقى مطرحا، ولا خاليا من الفائدة صفرا، وذلك أن الزيادات والنقائص في الكلام إنما يضطر إليها ويحمل عليها الشعر الذي هو مقيد بالأوزان والقوافي، وينتهي إلى غايات ومرام، فإذا نقصت أجزاء كلامه قبل لحاق القافية التي هي الغاية المطلوبة، اضطر الانسان إلى أن يزيد في الحروف، فيمد المقصور ويقطع الموصول [1] وما أشبه ذلك، وإذا زاد كلامه - وقد هجم على القافية فاستوقفته عن أن يتقدمها وأخذت بمخنقه دون تجاوزها - اضطر صاحبه إلى النقصان من الحروف، فقصر الممدود، ووصل المقطوع، وما أشبه ذلك، حتى يعتدل الميزان وتصح الأوزان.
فأما إذا كان الكلام محلول العقال مخلوع العذار، ممكنا من الجري في مضماره، غير محجور بينه وبين غاياته، فإن شاء صاحبه أرسل عنانه، فخرج جامحا، وأن شاء قدع [2] لجامه، فوقف جانحا، لا يحصره امد دون امد، ولا يقف به حد دون حد - فلا تكون الزيادات الواقعة فيه إلا عيا واستراحة، ولغوبا وإلاحة [3]، وهذه منزلة ترفع عنها كلام الله سبحانه الذي هو المتعذر المعوز، والممتنع المعجز، وكل كلام إنما هو مصل خلف سبقه، وقاصر عن بلوغ أدنى غاياته، بل قد يرتفع عن هذه المنزلة كلام الفصحاء،