وواقعا بعيدا، على أنه الكلام الذي وصفناه بسبق المجارين والعلو على المسامين، فما ظنك بما دون ذلك من كلام الفصحاء وبلاغات البلغاء، الذي يكون بالقياس إليه هباء منثورا، وسرابا غرورا!. وهذا الذي ذكرناه أيضا من معجزات القرآن إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المفكر، إذ كان الكلام المتناهي الفصاحة العالي الذروة البعيد المرمى والغاية، إذا قيس إليه وقرن به، شال في ميزانه وقصر عن رهانه، وصار بالإضافة إليه قالصا بعد السبوغ [1]، وقاصرا بعد البلوغ، ليصدق فيه قول أصدق القائلين سبحانه إذ يقول: (... وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) [2].
وقد ذهبنا عن غرض المسألة بعيدا للداعي الذي دعانا، والمعنى الذي حدانا، ونحن نعود إلى عمود القول فيها بإذن الله فنقول:
وقد كان بعض من رام كسر المذهب الذي تقدم ذكرنا له عن المبرد واختيارنا طريقته فيه، سأله عن قول الله سبحانه: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به) [3]، فقال: قد علمنا أن هذه اللام لام كي، فما معنى إدخال الواو عليها إن لم نقدرها مزيدة؟. فقال أبو العباس لسائله:
ألست تعلم أن قوله تعالى: (هذا بلاغ) مصدر وقوله: (ولينذروا به) فعل موضوع في موضع المصدر، لان الأفعال تدل على مصادرها؟!