بقوله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا): فمنهم من يقول إنه أول بيت بني. ومنهم من يقول: أول بيت بني للعبادة كالصلاة والحج والمناسك، ثم اختلفوا في أول من تولى بناءه، فقال بعضهم: إبراهيم وإسماعيل (ع)، وقال آخرون: بل كان مبنيا من قبل، ثم زال البناء بالغرق أيام الطوفان، وإنما أعاد بناءه إبراهيم وإسماعيل، حتى أن فيهم من يقول: إنه كان موضعا لتعبد الملائكة قبل خلق آدم عليه السلام، ويذكر في ذلك اخبارا كثيرة.
والذي ثبت بالقرآن أن إبراهيم وإسماعيل بنياه، فذلك يقين، وما تقدم موقوف على الخبر الصحيح، والصحيح: أنه أول بيت وضع للعبادة لا للسكنى، ودليل ذلك أنه تعالى اضافه إلى الناس إضافة مطلقة، والاطلاق يقتضي أن تكون الإضافة إلى الناس في حكم يشتركون فيه، وليس يصح ذلك إلا بأن يكون قبلة لهم، وموضعا لقضاء حجهم ومناسكهم، لأنا نعلم أن الأبنية قد كانت من قبل إبراهيم وإسماعيل بالزمان الطويل والمدى البعيد.