فقوله سبحانه: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) يكون المراد به في الجملة الاستسلام الذي هو الانقياد والخضوع والذل والخشوع، إذ هم منقادون لامره، غير ممتنعين من تدبيره، وما يحدثه تعالى فيهم من القبح والدمامة (1) والجمال والوسامة، والمصاح والأسقام واللذات والآلام، ثم ينقسم هذا الاستسلام منهم: فمنه ما يكون طوعا، ومنه ما يكون كرها، فالطوع مثل خلقه سبحانه الانسان وسيما جميلا ومكثرا غنيا، فهو محب لتلك الحال غير كاره لها، والكره مثل خلقه تعالى الانسان قبيحا دميما [2] ومقلا معدما، فهو يكره ما هو عليه ويحب الانتقال عنه، وكلا الفريقين قد أسلم لله خاضعا، وذل لتدبيره ضارعا، وذلك اسلام اضطرار لا اختيار، وإن كان هذا الاسلام يختلف مواقعه منهم على ما ذكرناه: فبعضه يصدر عن رضا ومحبة، وبعضه يصدر عن إباء وكراهة.
2 - وقال بعضهم [3]: (وله أسلم من في السماوات والأرض) جائز أن يوقع الخبر على الكل والمعنى واقع على البعض كقوله تعالى:
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم...) (4) وإنما يريد تعالى: بعض الناس، على قول من قال: إن المراد بذلك نعيم بن مسعود الأشجعي، لأنه كان المخبر لرسول الله صلى الله عليه وآله بتألب