وحقيقة الكلام عندنا، أن فيه تقدير مضاف محذوف، فكأنه سبحانه قال: ثم جاءكم ذكر رسول أو علم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، ومعنى جاءكم ذلك اي: وجدتموه في كتبكم وعرفتموه من الوحي النازل عليكم، كما قال تعالى: (يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل...) [1]، ولذلك في القرآن نظائر كثيرة: منها قوله سبحانه: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة...) [2] أي: كخلق نفس واحدة وبعثها، وقوله سبحانه: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا...) (3) أي: اسأل أمم من أرسلنا أو أتباع من أرسلنا، هذا على أحد التأويلين، وقد ذكرنا ذلك متقدما في شجون الكلام. والتأويل الآخر ما قاله بعضهم وهو: أن معنى ذلك واستنبط ما في كتب من أرسلنا قبلك من رسلنا فكأنك إذا عرفت ذلك قد لقيتهم وسألتهم.
فان قال قائل: فهذا التأويل يتم لكم في قوله تعالى: (لتؤمنن به) لان الايمان بالرسول قد يصح وإن لم يحن بعد حينه، ولم يأت زمانه، إذا علم أن الله سيبعثه، لان الايمان يراد به ههنا التصديق، وهذا كما جاءت الاخبار بأن جماعة من العرب آمنوا بنبينا صلى الله عليه وآله قبل مبعثه، لما كانوا يجدون ذكره في الكتب القديمة، ويتلقونه من القرون السالفة، كزيد بن عمرو (بن نفيل) وورقة بن نوفل وغيرهما، فكيف