غايته فمن ذلك قولهم: قد قامت السوق، أي: استحر بيعها وبلغت غايتها، وكذا قولهم: قد قامت القيامة، أي: قد تبين أمرها وصح وظهر ووضح، فأما قولهم: قد قامت الحرب، فمعناه: أشتد بأسها وعظم مراسها، وهذا أراد الشاعر بقوله:
وقامت الحرب بنا على ساق وقد يمكن أن يرد هذا أيضا إلى الأصل المتقدم فيقال: معناه: أن الحرب قد بلغت الغاية في الشدة، وكذلك قولهم: قام فلان وقعد، عند الامر المهم ينزل به، كناية عن شدة ارتماضه [1] وقلقه، وقولهم:
أقمت فلانا على رجل، أي: أقلقته وأزعجته، ولا قيام هناك أكثر من بلوغ الغاية في الانزعاج والقلق، وإنما قالوا ذلك لان أكثر أحوال القلق المنزعج والخائف الوجل أن يكون مستوفزا غير مطمئن ومتقلقلا غير مستتر فيكون إلى حال القيام أقرب منه إلى حال القعود، فلما كان ذلك هو الأصل أجروا هذا الوصف على كل من كان شديد القلق والاضطراب والجزع والارتماض، وإن كان قاعدا غير قائم، بل مضطجعا غير قاعد، وكذلك قيام الحرب عندي، إنما أصله قيام أهلها فيها، لان المحارب لا يكون قط إلا قائما، فقالوا: قامت الحرب، كما قالوا: ليل نائم، أي ينام فيه، وكذلك نهار ساكن، أي: يسكن الناس فيه، وأمثال ذلك كثيرة [2]. وفي ما ذكرناه منه كفاية بحمد الله.