كان كفارا ضلالا، وعاد على اليهود منه ما هو أشبه بطرائقهم وألصق بخلائقهم، في اعتقاد الغش والخيانة وإضمار الحيلة والغيلة، وأيضا فان النصارى ليس من مذهبهم ان يعتقدوا أن لا حرج عليهم في أخذ أموال غيرهم والذهاب بحقوق مخالطيهم ومعامليهم، فعلمنا أن هذا القول راجع على اليهود، لأنه من اعتقادهم ومن قواعد دينهم.
* * * ويدخل تحت قوله تعالى: (من إن تأمنه بقنطار) و (من إن تأمنه بدينار) العين والدين، لان الانسان قد يأتمن غيره على مبايعة ومقارضة وغير ذلك، كما يأتمنه على وديعة وعارية وغير ذلك، وليس في الآية بيان أحد الامرين من الآخر، وإن كان المروي عن ابن عباس أنه تأول ذلك على المعاوضة بالأثمان التي يلزمهم دفعها إلى أربابها، والكلام يحتمل الامرين معا.
ومن الناس من يحتج بهذه الآية في قبول شهادة بعض أهل الكتاب على بعض، لان بعضهم قد وصف بالأمانة، والشهادة ضرب من الأمانة، بل الأمانة أصل في الشهادة وشرط فيها، كما أن بعض المسلمين لما كان مأمونا جازت شهادته، فكذلك الكتابي إذا كان موصوفا بالأمانة دل ذلك على جواز قبول شهادته على الكفار. فان قال قائل:
فهذا أيضا يوجب جواز قبول شهادتهم على المسلمين، لان بعضهم قد وصف بأداء الأمانة إلى المسلم إذا ائتمنه عليها. قيل له: كذلك يقتضي الظاهر، إلا أنه مخصوص بالاتفاق، وقد اتفقوا على أنه لا يجوز قبول شهادة