شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٣٦
فلا أسيغها، وإذا هي من علباء العنق (1) فإذا غفل عنى جعلتها بين الخوان والقصعة، فدعا بعس (2) من نبيذ كاد يكون خلا، فقال: اشرب فلم أستطعه ولم أسغه أن اشرب فشرب، ثم نظر إلي وقال: ويحك انه ليس بدرمك (3) العراق وودكه (4) ولكن ما تأكله أنت وأصحابك.
ثم قال: اسمع إنا ننحر كل يوم جزورا فأما أوراكها وودكها وأطايبها فلمن حضرنا من المهاجرين، والأنصار وأما عنقها فلآل عمر، واما عظامها وأضلاعها فلفقراء المدينة نأكل من هذا اللحم الغث، ونشرب من هذا النبيذ الخاثر (5)، وندع لين الطعام ليوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها.
* * * حضر عند عمر قوم من الصحابة، فأثنوا عليه، وقالوا: والله ما رأينا يا أمير المؤمنين رجلا أقضى منك بالقسط، ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك! إنك لخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عوف بن مالك: كذبتم والله أبو بكر بعد رسول الله، خير أمته رأينا أبا بكر.
فقال عمر: صدق عوف والله وكذبتم! لقد كان أبو بكر والله أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي.
* * * لما أتى عمر الخبر بنزول رستم القادسية، كان يخرج فيستخبر الركبان كل يوم عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار، ثم يرجع إلى أهله، فلما جاء البشير بالفتح،

(1) العلباء عصبة صفراء في صفحة العنق.
(2) العس: القدح الكبير.
(3) الدرمك: دقيق الحواري.
(4) الودك، محركة: الدسم من اللحم والشحم.
(5) خثر النبيذ: ثخن واشتد.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281