شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٣٤
فيهما في الجمع، قال: فأي طعام ناله عندك ارفع؟ قالت: خبزنا مره خبزة شعير فصببت عليها - وهي حارة أسفلها - عكة (1) لنا كان فيها سمن وعسل فجعلتها هشة حلوة دسمة، فاكل منها فاستطابها، قال: فأي مبسط كان يبسط عندك أوطأ؟ قالت:
كساء ثخين كنا نرقعه في الصيف فنجعله ثخينا فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه، وتدثرنا بنصفه، قال: فأبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قدر فوضع الفضول مواضعها، وتبلغ ما أبر، وإني قدرت فوالله لأضعن الفضول مواضعها، ولا تبلغن ما أبر حبة.
* * * وفد على عمر وفد فيه رجال الناس من الآفاق فوضع لهم بسطا من عباء، وقدم إليهم طعاما غليظا فقالت له: ابنته حفصة أم المؤمنين: انهم وجوه الناس وكرام العرب فأحسن كرامتهم. فقال: يا حفصة، أخبريني بالين فراش فرشته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطيب طعام اكله عندك قالت: أصبنا كساء ملبدا عام خيبر، فكنت أفرشه له فينام عليه، وإني رفعته ليلة، فلما أصبح قال: ما كان فراشي الليلة؟ قلت: فراشك كل ليلة الا، أنى الليلة رفعته لك ليكون أوطأ، فقال: أعيديه لحالته الأولى فان وطاءته منعتني الليلة من الصلاة.
وكان لنا صاع من دقيق سلت (2)، فنخلته يوما وطبخته له، وكان لنا قعب من سمن فصببته عليه، فبينا هو عليه السلام يأكل إذ دخل أبو الدرداء، فقال: أرى سمنكم قليلا، وان لنا لقعبا من سمن قال عليه السلام: فأرسل فأت به، فجاء به فصبه عليه فاكل، فهذا أطيب طعام أكله عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأرسل عمر عينيه بالبكاء وقال لها: والله لا أزيدهم على ذلك العباء وذلك الطعام

(1) العكة: للسمن، كالشكوة للبن، وقيل: العكة أصغر من القربة للسمن، وهي زقيق صغير.
(2) السلت، بالضم: ضرب من الشعير، أو هو الشعير بعينه.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281