بينا عمر يسير في طريق مكة يوما إذا بالشيخ بين يديه يرتجز ويقول ما إن رأيت كفتي الخطاب * أبر بالدين وبالأحساب * بعد النبي صاحب الكتاب * فطعنه عمر بالسوط في ظهره، فقال: ويلك! وأين الصديق! قال: ما لي بأمره علم يا أمير المؤمنين، قال: أما إنك لو كنت عالما، ثم قلت هذا لأوجعت ظهرك.
* * * قال زيد بن أسلم: كنت عند عمر وقد كلمه عمرو بن العاص في الحطيئة وكان محبوسا، فأخرجه من السجن ثم أنشده ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ * زغب الحواصل لا ماء ولا شجر (1) ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة * فاغفر عليك سلام الله يا عمر أنت الامام الذي من بعد صاحبه * ألقت إليه مقاليد النهى البشر ما آثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت بك الأثر. (2) فبكى عمر لما قال له: (ماذا تقول لأفراخ) فكان عمرو بن العاص بعد ذلك يقول: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أتقى من رجل يبكى خوفا من حبس (3) الحطيئة!
ثم قال عمر لغلامه يرفأ: على بالكرسي، فجلس عليه ثم قال: على بالطست، فأتى بها ثم قال: على بالمخصف، لا بل على بالسكين، فأتى بها فقال: لا بل على بالموسى، فإنها أوجى، فأتى بموسى ثم قال: أشيروا على في الشاعر فإنه يقول الهجر، وينسب بالحرم ويمدح الناس ويذمهم بغير ما فيهم وما أراني إلا قاطعا لسانه! فجعل الحطيئة يزيد خوفا فقال: من حضر إنه لا يعود يا أمير المؤمنين، وأشاروا إليه قل لا أعود يا أمير المؤمنين فقال: النجاء النجاء! فلما ولى ناداه: يا حطيئة فرجع مرعوبا فقال: كأني بك يا حطيئة