فلا أسيغها، وإذا هي من علباء العنق (1) فإذا غفل عنى جعلتها بين الخوان والقصعة، فدعا بعس (2) من نبيذ كاد يكون خلا، فقال: اشرب فلم أستطعه ولم أسغه أن اشرب فشرب، ثم نظر إلي وقال: ويحك انه ليس بدرمك (3) العراق وودكه (4) ولكن ما تأكله أنت وأصحابك.
ثم قال: اسمع إنا ننحر كل يوم جزورا فأما أوراكها وودكها وأطايبها فلمن حضرنا من المهاجرين، والأنصار وأما عنقها فلآل عمر، واما عظامها وأضلاعها فلفقراء المدينة نأكل من هذا اللحم الغث، ونشرب من هذا النبيذ الخاثر (5)، وندع لين الطعام ليوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها.
* * * حضر عند عمر قوم من الصحابة، فأثنوا عليه، وقالوا: والله ما رأينا يا أمير المؤمنين رجلا أقضى منك بالقسط، ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك! إنك لخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عوف بن مالك: كذبتم والله أبو بكر بعد رسول الله، خير أمته رأينا أبا بكر.
فقال عمر: صدق عوف والله وكذبتم! لقد كان أبو بكر والله أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي.
* * * لما أتى عمر الخبر بنزول رستم القادسية، كان يخرج فيستخبر الركبان كل يوم عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار، ثم يرجع إلى أهله، فلما جاء البشير بالفتح،