ولا ناهك لهم عقوبة، وإني لأقنع بالهيبة والتهويل عليهم، ولا أعمل العصا حيث يمكنني الاكتفاء باليد وإني أرد الشارد منهم وأعدل المائل...، إلى غير ذلك من الأمور التي عددها وأحسن في تعديدها.
وإنما ذكر قوله: (أنا زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة قرقرة الكدر) الكدر على عادة العرب في الافتخار وقت المنافرة وعند ما تجيش النفس ويحمى القلب كما كان علي عليه السلام يقول وقت الحاجة: (أنا عبد الله وأخو رسوله)، فيذكر أشرف أحواله و المزية التي اختص بها عن غيره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة قرقرة الكدر أردف عمر معه على بعيره فكان عمر يفخر بها ويذكرها وقت الحاجة إليها.
* * * وفى حديث عمر أنه خرج من الخلاء فدعا بطعام فقيل له: ألا تتوضأ فقال: لولا التنطس ما باليت ألا أغسل يدي (1).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: قال ابن علية: التنطس التقذر وقال الأصمعي: هو المبالغة في التطهر، فكل من أدق النظر في الأمور فاستقصى علمها فهو متنطس ومنه قيل للطبيب: النطاسي والنطيس لدقة علمه بالطب.
* * * وفى حديث عمر حين سأل الأسقف عن الخلفاء فحدثه حتى إذا انتهى إلى الرابع فقال صدع من حديد، وقال عمر: وا دفراه (2).
قال أبو عبيدة، قال الأصمعي: كان حماد بن سلمة يقول: (صدأ من حديد وهذا أشبه بالمعنى لان الصدأ له دفر وهو النتن، والصدع لا دفر له وقيل للدنيا أم دفر لما فيها من الدواهي والآفات فأما الذفر بالذال المعجمة وفتح الفاء فهو الريح الذكية من طيب أو نتن.