وروى أبو عبيدة أيضا في هذا الكتاب، قال: قدم عمرو بن معديكرب والأجلح بن وقاص الفهمي على عمر، فأتياه وبين يديه مال يوزن، فقال: متى قدمتما؟ قالا: يوم الخميس، قال: فما حبسكما عنى؟ قالا: شغلنا المنزل يوم قدمنا، ثم كانت الجمعة، ثم غدونا عليك اليوم. فلما فرغ من وزن المال نحاه، وأقبل عليهما، فقال: هيه! فقال عمرو بن معديكرب يا أمير المؤمنين هذا الأجلح بن وقاص، الشديد المرة البعيد الغرة، الوشيك الكرة، والله ما رأيت مثله حين الرجال صارع ومصروع والله لكأنه لا يموت.
فقال عمر للأجلح - واقبل عليه، وقد عرف الغضب في وجهه: هيه يا أجلح! فقال الأجلح: يا أمير المؤمنين تركت الناس خلفي صالحين، كثيرا نسلهم، دارة أرزاقهم خصبة بلادهم، أجرياء على عدوهم، فأكلا عدوهم عنهم، فسيمتع الله بك، فما رأينا مثلك إلا من سبقك، فقال: ما منعك ان تقول في صاحبك مثل ما قال فيك؟ قال: ما رأيت من وجهك، قال: أصبت، اما انك لو قلت فيه مثل الذي قال فيك لأوجعتكما ضربا وعقوبة فإذ تركتك لنفسك فسأتركه لك، والله لوددت لو سلمت لكم حالكم، ودامت عليكم أموركم. أما انه سيأتي عليك يوم تعضه وينهشك، وتهره وينبحك، ولست له يومئذ وليس لك، فان لا يكن بعهدكم، فما أقربه منكم.
* * * لما أسر الهرمزان صاحب الأهواز وتستر وحمل إلى عمر، حمل ومعه رجال من المسلمين، فيهم الأحنف بن قيس وأنس بن مالك فأدخلوه في المدينة في هيئته، وعليه تاجه الذهب وكسوته، فوجدوا عمر نائما في جانب المسجد، فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه، فقال الهرمزان: أين عمر؟ فقالوا: هو ذا، قال: وأين حراسه وحجابه؟ قالوا: لا حارس له ولا حاجب، قال: فينبغي ان يكون هذا نبيا! قالوا: انه يعمل عمل الأنبياء.