وزعمت أنك مكب على عهد الله تجمع ما تفرق منه، فمن العكوف على عهده النصيحة لعباده، والرأفة على خلقه، وأن تبذل من نفسك ما يصلحون به ويجتمعون عليه.
وزعمت أن التظاهر عليك واقع، أي تظاهر وقع عليك! وأي حق استؤثر به دونك!
لقد علمت ما قالت الأنصار أمس سرا وجهرا، وما تقلبت عليه ظهرا وبطنا، فهل ذكرتك أو أشارت بك، أو طلبت رضاها من عندك! وهؤلاء المهاجرون، من الذي قال منهم إنك صاحب هذا الامر، أو أومأ إليك، أو همهم بك في نفسك! أتظن أن الناس ضلوا من أجلك، أو عادوا كفارا زهدا فيك، أو باعوا الله تعالى بهواهم بغضا لك!
(1 ولقد جاءني قوم من الأنصار، فقالوا: إن عليا ينتظر الإمامة 1)، ويزعم أنه أولى بها من أبى بكر، فأنكرت عليهم، ورددت القول في نحورهم، حتى قالوا: إنه ينتظر الوحي ويتوكف (2) مناجاة الملك! فقلت: ذاك أمر طواه الله بعد محمد عليه السلام.
ومن أعجب شأنك قولك: (لولا سابق قول لشفيت غيضي بخنصري وبنصري)! وهل ترك الدين لأحد أن يشفى غيضه بيده أو لسانه! تلك جاهلية استأصل الله شأفتها، واقتلع جرثومها، ونور ليلها، وغور سيلها، وأبدل منها الروح والريحان، والهدى والبرهان!
وزعمت أنك ملجم، فلعمري إن من اتقى، وآثر رضاه، وطلب ما عنده، أمسك لسانه، وأطبق فاه، وغلب عقله ودينه على هواه، وأما قولك: (إني لأعرف منزع قوسي)، فإذا عرفت منزع قوسك عرف غيرك مضرب سيفه، ومطعن رمحه. وأما ما تزعمه من الامر الذي جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، فتخلفت إعذارا إلى الله، وإلى العارفة من المسلمين، فلو عرفه المسلمون