وجمح ثم استجاب. ولو أقام على الامتناع لم نقل بصحة البيعة ولا بلزومها، ولو جرد السيف كما جرده في آخر الامر لقلنا بفسق كل من خالفه على الاطلاق، كائنا من كان، ولكنه رضى بالبيعة أخيرا، ودخل في الطاعة.
وبالجملة، أصحابنا يقولون: إن الامر كان له، وكان هو المستحق والمتعين، فإن شاء أخذه لنفسه، وإن شاء ولاه غيره، فلما رأيناه قد وافق على ولاية غيره، اتبعناه ورضينا بما رضى، فقال: فبقي بيني وبينكم قليل، أنا أذهب إلى النص وأنتم لا تذهبون إليه!.
فقلت له: إنه لم يثبت النص عندنا بطريق يوجب العلم، وما تذكرونه أنتم صريحا فأنتم تنفردون بنقله، وما عدا ذلك من الاخبار التي نشارككم فيها، فلها تأويلات معلومة.
فقال لي وهو ضجر: يا فلان، لو فتحنا باب التأويلات، لجاز أن يتناول قولنا:
(لا إله إلا الله محمد رسول الله)، دعني من التأويلات الباردة التي تعلم القلوب والنفوس أنها غير مرادة، وأن المتكلمين تكلفوها وتعسفوها، فإنما أنا وأنت في الدار ولا ثالث لنا، فيستحي أحدنا من صاحبه ويخافه.
فلما بلغنا إلى هذا الموضع، دخل قوم ممن كان يخشاه، فتركنا ذلك الأسلوب من الحديث، وخضنا في غيره.
* * * (سياسة علي ومعاوية وإيراد كلام للجاحظ في ذلك) فأما القول في سياسة معاوية، وأن شنأت علي عليه السلام ومبغضيه زعموا أنها خير من سياسة أمير المؤمنين، فيكفينا في الكلام على ذلك ما قاله شيخنا أبو عثمان، ونحن نحكيه بألفاظه.