اجتمع أربعة حكماء: من الروم، والفرس، والهند، والصين، فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل: وقال الآخر: إذا تكلمت بالكلمة ملكتني، ولم أملكها، وإذا لم أتكلم ملكتها ولم تملكني. وقال الآخر: عجبت للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضرته، وإن لم ترجع لم تنفعه، وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل، أقدر منى على رد ما قلت.
* * * (ذكر الآثار الواردة في آفات اللسان) واعلم أن آفات اللسان كثيرة:
فمنها الكلام فيما لا يعنيك، وهو أهون آفات اللسان، ومع ذلك فهو عيب، قال النبي صلى الله عليه وآله: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
وروى أنه عليه السلام مر بشهيد يوم أحد، فقال أصحابه: هنيئا له الجنة! قال:
وما يدريكم لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه!
وقال ابن عباس: خمس هي أحسن وأنفع من حمر النعم: لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنه فضل لا آمن عليه الوزر. ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا، فرب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فأساء. ولا تمار حليما ولا سفيها، فإن الحليم يقليك، والسفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكرك به، وأعفه عما تحب أن يعفيك عنه. واعمل عمل رجل يرى أنه مجازى بالاحسان، مأخوذ بالجرائم.
* * * ومنها فضول الكلام وكثرته، وترك الاقتصار، وكان يقال: فضول المنطق وزيادته نقص في العقل، وهما ضدان متنافيان، كلما زاد أحدهما نقص الاخر.