وإنما الناس (1) ثمامة (2) فارفق بهم، وأحن عليهم، ولن لهم، ولا تسول لك نفسك فرقتهم، واختلاف كلمتهم، واترك ناجم الشر حصيدا، وطائر الحقد واقعا، وباب الفتنة مغلقا، لا قال ولا قيل، ولا لوم ولا تعنيف، ولا عتاب ولا تثريب، والله على ما أقول وكيل، وبما نحن عليه بصير.
قال أبو عبيدة: فلما تهيأت للنهوض، قال لي عمر: كن على الباب هنيهة فلي معك ذرو (3) من الكلام. فوقفت وما أدرى ما كان بعدي، إلا أنه لحقني بوجه يندى تهللا، وقال لي: قل لعلى: الرقاد محلمة، واللجاج ملحمة، والهوى مقحمة، وما منا أحد إلا له مقام معلوم، وحق مشاع أو مقسوم، وبناء ظاهر أو مكتوم، وإن أكيس الكيسى من منح الشارد تألفا، وقارب البعيد تلطفا، ووزن كل أمر بميزانه، ولم يجعل خبره كعيانه، ولا قاس فتره بشبره، دينا كان أو دنيا، وضلالا كان أو هدى، ولا خير في علم معتمل (4) في جهل، ولا في معرفة مشوبة بنكر، ولسنا كجلدة رفع البعير بين العجان وبين الذنب (5)، وكل صال فبناره يصلى، وكل سيل فإلى قراره يجرى، وما كان سكوت هذه العصابة إلى هذه الغاية لعي وحصر، ولا كلامها اليوم لفرق أو حذر، فقد جدع الله بمحمد عليه السلام أنف كل متكبر، وقصم به ظهر كل جبار، وسل لسان كل كذوب، فماذا بعد الحق إلا الضلال!
ما هذه الخنزوانة (6) التي في فراش رأسك؟ وما هذا الشجا المعترض في مدارج أنفاسك، وما هذه الوحرة (7) التي أكلت شرا سيفك (8)، والقذاة التي أعشت ناظرك؟ وما هذا الدحس (9)