(ذكر بعض أحوال العارفين) واعلم أن الوجد أمر شريف، قد اختلف الناس (1) فيه، فقالت الحكماء فيه أقوالا، وقالت الصوفية فيه أقوالا، أما الحكماء فقالوا: الوجد (2) هو حالة تحدث للنفس عند انقطاع علائقها عن المحسوسات بغته، إذا كان قد ورد عليها وارد مشوق. وقال بعضهم: الوجد هو اتصال النفس بمبادئها المجردة عند سماع ما يقتضى ذلك الاتصال.
وأما الصوفية فقد قال بعضهم: الوجد رفع الحجاب، ومشاهدة المحبوب، وحضور الفهم، وملاحظة الغيب، ومحادثة السر، وهو فناؤك من حيث أنت أنت.
وقال بعضهم: الوجد سر الله عند العارفين، ومكاشفة من الحق توجب الفناء عن الحق.
والأقوال فيه متقاربة في المعنى وإن اختلفت (3) العبارة، وقد مات كثير من الناس بالوجد عند سماع وعظ، أو صفقه (4) مطرب، والاخبار في هذا الباب كثيرة جدا، وقد رأينا نحن في زماننا من مات بذلك فجأة.
* * * قوله: (كانت نفسه فيها)، أي مات. ونفث الشيطان على لسانك، أي تكلم بلسانك، وأصله النفخ بالفم، وهو أقل من التفل، وإنما نهى أمير المؤمنين القائل: (فهلا أنت يا أمير المؤمنين!) لأنه اعترض في غير موضع الاعتراض، وذلك أنه لا يلزم من موت العامي عند وعظ العارف أن يموت العارف عند وعظ نفسه، لان انفعال العامي ذي الاستعداد التام للموت عند سماع المواعظ البالغة أتم من استعداد العارف عند سماع كلام