سخيمة صدرك، فإن يكن في الأمد طول، وفى الاجل فسحة، فستأكله مريئا أو غير مرئ، وستشربه هنيئا أو غير هنئ، حين لا راد لقولك إلا من كان آيسا منك، ولا تابع لك إلا من كان طامعا فيك، حين يمض أهابك، ويفري أديمك، ويزري على هديك، هناك تقرع السن من ندم، وتشرب الماء ممزوجا بدم، حين (1) تأسى على ما مضى من عمرك، وانقضى وانقرض من دارج قومك، وتود أن لو سقيت بالكأس التي سقيتها غيرك، ورددت إلى الحال التي كنت تكرهها في أمسك، ولله فينا وفيك أمر هو بالغه، وعاقبه هو المرجو لسرائها وضرائها، وهو الولي الحميد الغفور الودود.
قال أبو عبيدة: فمشيت إلى علي مثبطا متباطئا، كأنما أخطو على أم رأسي فرقا من الفتنة، وإشفاقا على الأمة، وحذرا من الفرقة حتى وصلت إليه في خلاء فأبثثته بثي كله، وبرئت إليه منه، ودفعته له. فلما سمعها ووعاها، وسرت في أوصاله حمياها قال: حلت معلوطة، وولت مخروطة (2)، ثم قال:
إحدى لياليك فهيسي هيسي * لا تنعمي الليلة بالتعريس (3).
يا أبا عبيدة، أهذا كله في أنفس القوم يستبطنونه (4) ويضطغنون عليه! فقلت:
لا جواب عندي، إنما جئتك قاضيا حق الدين، وراتقا فتق الاسلام (5)، وسادا ثلمة الأمة، يعلم الله ذلك من جلجلان (6) قلبي، وقرارة نفسي.