الفرقة، واستئثار الأنصار بالمر على قريش، وأعجلت عن حضورك ومشاورتك، ولو كنت حاضرا لبايعتك ولم أعدل بك، ولقد حط الله عن ظهرك ما أثقل كاهلي به، وما أسعد (1) من ينظر الله إليه بالكفاية! وإنا إليك لمحتاجون، وبفضلك عالمون، وإلى رأيك وهديك في جميع الأحوال راغبون، وعلى حمايتك وحفيظتك معولون. ثم انصرف وتركه مع عمر.
فالتفت على إلى عمر فقال: يا أبا حفص، والله ما قعدت عن صاحبك جزعا على ما صار إليه، ولا أتيته خائفا منه، ولا أقول ما أقول بعلة (2)، وإني لأعرف مسمى طرفي ومخطى (3) قدمي، ومنزع قوسي، وموقع سهمي، ولكني تخلفت إعذارا إلى الله، وإلى من يعلم الامر الذي جعله لي رسول الله، وأتيت فبايعت، حفظا للدين، وخوفا من انتشار أمر الله.
فقال له عمر: يا أبا الحسن، كفكف من غربك، ونهنه (4) من شرتك، ودع العصا بلحائها، والدلو برشائها، فإنا من خلفها وورائها. إن قدحنا أورينا، وإن متحنا أروينا، وإن قرحنا أدمينا، وقد سمعت أمثالك التي ألغزت بها صادرة عن صدر دو، وقلب جو زعمت أنك قعدت في كسر بيتك لما وقذك به فراق، أفراق رسول الله صلى الله عليه، وقذك وحدك ولم يقذ سواك! إن مصابه لأعز وأعظم من ذاك، وإن من حق مصابه ألا تصدع شمل الجماعة بكلمة لا عصام لها، فإنك لترى الاعراب حول المدينة لو تداعت علينا في صبح يوم لم نلتقي في ممساه. وزعمت أن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره، فمن الشوق إليه نصرة دينه، وموازرة المسلمين عليه، ومعاونتهم فيه.