كلام أمير المؤمنين عليه السلام هذا، وكذلك من قبله من الامامية كابن النعمان، وبنى نوبخت، وبنى بابويه وغيرهم، وكذلك من جاء بعده من متأخري متكلمي الشيعة وأصحاب الاخبار والحديث منهم إلى وقتنا هذا! وأين كان أصحابنا عن كلام أبى بكر وعمر له عليه السلام! وهلا ذكره قاضى القضاة في المغني مع احتوائه على كل ما جرى بينهم، حتى إنه يمكن أن يجمع منه تاريخ كبير مفرد في أخبار السقيفة! وهلا ذكره من كان قبل قاضى القضاة من مشايخنا وأصحابنا ومن جاء بعده من متكلمينا ورجالنا! وكذلك القول في متكلمي الأشعرية وأصحاب الحديث كابن الباقلاني وغيره، وكان ابن الباقلاني شديدا على الشيعة، عظيم العصبية على أمير المؤمنين عليه السلام، فلو ظفر بكلمة من كلام أبى بكر وعمر في هذا الحديث لملا الكتب والتصانيف بها، وجعلها هجيراه ودأبه.
والامر في ما ذكرناه في وضع هذه القصة ظاهر لمن عنده أدنى ذوق من علم البيان، ومعرفة كلام الرجال، ولمن عنده أدنى معرفة بعلم السير، وأقل أنس بالتواريخ.
وقوله عليه السلام: (مودع لا قال ولا مبغض ولا سئم)، أي لا ملول، سئمت من الشئ أسأم سأما وسآما وسامه، سئمته إذا مللته، ورجل سؤوم.
ثم أكد عليه السلام هذا المعنى، فقال: (إن انصرفت فلا عن ملالة، وإن أقمت فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين)، أي ليست إقامتي على قبرك وجزعي عليك، إنكارا منى لفضيلة الصبر والتجلد والتعزي والتأسي، وما وعد الله به الصابرين من الثواب، بل أنا عالم بذلك، ولكن الجزع يغلبني بالطبع البشرى.
وروى أن فاطمة بنت الحسين عليهما السلام ضربت فسطاطا على قب بعلها الحسن