فإن قلت: فهل كان يسوغ لأبي بكر، وقد رأى وثوب الأنصار على الامر أن يؤخره إلى أن يخرج عليه السلام ويحضر المشورة؟.
قلت: إنه لم يلم أبا بكر بعينه، وإنما تألم من استبداد الصحابة بالامر دون حضوره ومشاورته. ويجوز أن يكون أكثر تألمه وعتابه مصروفا إلى الأنصار الذين فتحوا باب الاستبداد، والتغلب.
* * * (رسالة أبى بكر لعلي في شأن الخلافة، رواية أبى حامد المروروذي) وروى القاضي أبو حامد أحمد بن بشير المروروذي العامري فيما حكاه عنه أبو حيان التوحيدي، قال أبو حيان: سمرنا عند القاضي أبى حامد ليلة ببغداد بدار ابن جيشان، في شارع الماذيان، فتصرف الحديث بنا كل متصرف، وكان الله معنا (1) مزيلا مخلطا (2) عزيز (3) الرواية، لطيف الدراية (له) في كل جو متنفس، وفى كل نار مقتبس، فجرى حديث السقيفة، وتنازع القوم الخلافة، فركب كل منا فنا، وقال قولا، وعرض بشئ ونزع إلى مذهب، فقال أبو حامد: هل فيكم من يحفظ رسالة أبى بكر إلى علي، وجواب على له ومبايعته إياه عقيب تلك الرسالة؟ فقالت الجماعة: لا والله، فقال: هي والله من درر الحقاق المصونة (4)، ومخبآت الصناديق في الخزائن المحوطة، ومنذ حفظتها ما رويتها إلا للمهلبي (5) في وزارته، فكتبها عنى في خلوة بيده، وقال: لا أعرف في الأرض رسالة