هذا الكلام من ذلك المعدن خرج، ويدل عليه أنه أسنده إلى القاضي أبى حامد المروروذي (1)، وهذه عادته في كتاب البصائر يسند إلى القاضي أبى حامد كل ما يريد أن يقوله هو من تلقاء نفسه، إذا كان كارها لان ينسب إليه، وأنما ذكرناه نحن في هذا الكتاب، لأنه وإن كان عندنا موضوعا منحولا، فإنه صورة ما جرت عليه حال القوم، فهم وإن لم ينطقوا به بلسان المقال، فقد نطقوا به بلسان الحال.
ومما يوضح لك أنه مصنوع، أن المتكلمين على اختلاف مقالاتهم من المعتزلة والشيعة والأشعرية وأصحاب الحديث، وكل من صنف في علم الكلام والإمامة لم يذكر أحد منهم كلمة واحدة من هذه الحكاية، ولقد كان المرتضى رحمه الله يلتقط من كلام أمير المؤمنين عليه السلام اللفظة الشاذة، والكلمة المفردة الصادرة عنه عليه السلام، في معرض التألم والتظلم، فيحتج بها، ويعتمد عليها، نحو قوله: (ما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله حتى يوم الناس هذا).
وقوله: (لقد ظلمت عدد الحجر والمدر).
وقوله: (إن لنا حقا إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، وإن طال السرى).
وقوله: (فصبرت وفى الحلق شجا، وفى العين قذى).
وقوله: (اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني حقي، وغصبوني إرثي).
وكان المرتضى إذا ظفر بكلمة من هذه، فكأنما ظفر بملك الدنيا ويودعها كتبه وتصانيفه، فأين كان المرتضى عن هذا الحديث! وهلا ذكر في كتاب الشافي في الإمامة