(ذكر الخوف وما ورد فيه من الآثار) واعلم أن الخوف مقام جليل من مقامات العارفين، وهو أحد الأركان التي هي أصول هذا الفن، وهو التقوى التي حث الله تعالى عليها، وقال: إن أكرم الناس عنده أشدهم خوفا له، وفى هذه الآية وحدها كفاية، وإذا نظرت القرآن العزيز وجدت أكثره ذكر المتقين، وهم الخائفون، وقال النبي صلى الله عليه وآله: (من خاف الله خافه كل شئ، ومن خاف غير الله خوفه الله من كل شئ).
وقال عليه السلام: (أتمكم عقلا أشدكم لله خوفا، وأحسنكم فيما أمر به ونهى عنه نظرا).
وقال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم، لو خاف النار كما يخاف الفقر، دخل الجنة.
وقال ذو النون المصري: ينبغي أن يكون الخوف أغلب من الرجاء، فإن الرجاء إذا غلب تشوش القلب.
وقيل لبعض الصالحين: من آمن الخلق غدا؟ قال: أشدهم خوفا اليوم.
وقيل للحسن: يا أبا سعيد، كيف نصنع بمجالسة أقوام من أصحابك، يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: إنك والله لان تصحب قوما يخوفونك حتى تدرك الامن، خير لك من أن تصحب قوما يؤمنونك حتى يدركك الخوف.
وقيل للنبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى: ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾ (1): هم الذين يعصون ويخافون المعصية؟ قال: (لا، بل الرجل يصوم، ويتصدق، ويخاف ألا يقبل منه).