أعقل منها، ولا أبين، وإنها لتدل على علم وحكم، وفصاحة وفقاهة، في دين ودهاء، وبعد غور، وشدة غوص.
فقال له واحد من القوم: أيها القاضي، فلو أتممت المنة علينا بروايتها سمعناها ورويناه عنك، فنحن أوعى لها من المهلبي، وأوجب ذماما عليك.
فقال (1): هذه الرسالة رواها عيسى بن دأب، عن صالح بن كيسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، عن أبي عبيدة بن الجراح (1).
قال أبو عبيدة: لما استقامت الخلافة لأبي بكر بين المهاجرين والأنصار، ولحظ بعين الوقار والهيبة - بعد هنة (2) كاد الشيطان بها يسر فدفع الله شرها، وأدحض عسرها، فركد كيدها، وتيسر خيرها، وقصم ظهر النفاق والفسق بين أهلها - بلغ أبا بكر عن علي عليه السلام تلكؤ وشماس، وتهمهم (3) ونفاس، فكره أن يتمادى الحال وتبدو له العورة، وتنفرج (4) ذات البين، ويصير ذلك دريئة لجاهل مغرور، أو عاقل ذي دهاء، أو صاحب سلامة ضعيف القلب، خوار العنان، دعاني في خلوة فحضرته، وعنده عمر وحده - وكان عمر قبسا له وظهيرا معه، يستضئ بناره، ويستملي من لسانه - فقال لي:
يا أبا عبيدة، ما أيمن ناصيتك، وأبين الخير بين عارضيك! لقد كنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكان المحوط، والمحل المغبوط، ولقد قال فيك في يوم مشهود:
(أبو عبيدة أمين هذه الأمة)، وطالما أعز الله الاسلام بك، وأصلح ثلمه على يديك، ولم تزل للدين ناصرا وللمؤمنين روحا، ولأهلك ركنا، ولاخوانك مردا! قد أردتك