(سياسة علي وجريها على سياسة الرسول عليه السلام) واعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام، زعموا أن عمر كان أسوس منه، وإن كان هو أعلم من عمر، وصرح الرئيس أبو علي بن سينا بذلك في (الشفاء) في الحكمة، وكان شيخنا أبو الحسين (1) يميل إلى هذا، وقد عرض به في كتاب (الغرر)، ثم زعم أعداؤه ومباغضوه أن معاوية كان أسوس منه وأصح تدبيرا، وقد سبق لنا بحث قديم في هذا الكتاب في بيان حسن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام وصحة تدبيره، ونحن نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك مما يليق بهذا الفصل الذي نحن في شرحه.
اعلم أن السائس لا يتمكن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه، وبما يرى فيه صلاح ملكه، وتمهيد أمره، وتوطيد قاعدته، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه، فبعيد أن ينتظم أمره، أو يستوثق حاله، وأمير المؤمنين كان مقيدا بقيود الشريعة، مدفوعا إلى اتباعها ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقا، فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن لم يلتزم بذلك، ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب، ولا ناسبين إليه ما هو منزه عنه، ولكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء وبالاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه، ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدب بالدرة والسوط من