شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٠ - الصفحة ٢٧٩
والدس اللذان يدلان على ضيق الباع، وخور الطباع! وما هذا الذي لبست بسببه جلد النمر، واشتملت عليه بالشحناء والنكر! لشد ما استسعيت لها، وسريت سرى ابن أنقد (1) إليها، إن العوان لا تعلم (2) الخمرة. ما أحوج الفرعاء إلى فالية، وما أفقر الصلعاء إلى حالية، ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والامر معبد (3) مخيس، ليس لأحد فيه ملمس، لم يسير فيك قولا، ولم يستنزل لك قرآنا، ولم يجزم في شأنك حكما، لسنا في كسروية كسرى، ولا قيصرية قيصر، (تأمل لإخوان فارس وأبناء الأصفر، قد جعلهم الله جزرا لسيوفنا، ودريئة لرماحنا، ومرمى لطعاننا! بل) (4) نحن في نور نبوة، وضياء رسالة، وثمرة حكمة وأثر رحمة، وعنوان نعمة، وظل عصمة، بين أمة مهدية بالحق والصدق، مأمونة على الرتق والفتق، لها من الله تعالى قلب أبى، وساعد قوى، ويد ناصرة، وعين ناظرة.
أتظن ظنا أن أبا بكر وثب على هذا الامر مفتاتا على الأمة، خادعا لها، ومتسلطا عليها!
أتراه امتلخ أحلامها (5)، وأزاغ أبصارها، وحل عقودها، وأحال عقولها، واستل من صدورها حميتها، وانتكث رشاءها، وانتضب ماءها، وأضلها عن هداها، وساقها إلى رداها، وجعل نهارها ليلا، ووزنها كيلا، ويقظتها رقادا، وصلاحها فسادا! إن كان هكذا، إن سحره لمبين، وإن كيده لمتين. كلا والله، بأي خيل ورجل، وبأي سنان ونصل، وبأي منة وقوة، وبأي مال وعدة، وبأي أيد وشدة، وبأي عشيرة وأسرة، وبأي قدرة ومكنة، وبأي تدرع وبسطة! لقد أصبح بما وسمته منيع الرقبة، رفيع العتبة. لا والله لكن سلا عنها فولهت نحوه، وتطامن لها فالتفت به، ومال عنها، فمالت إليه، واشمأز (6) دونها فاشتملت عليه، حبوة حباه الله بها، وغاية بلغه الله إليها، ونعمة سربله جمالها، ويد لله أوجب عليه شكرها، وأمة نظر الله به

(1) ابن أنقد: القنفذ.
(2) إن العوان لا تعلم الخمرة، مثل، والعوان: المرأة التي أسنت ولما تهرم.
(3) المعبد: المذلل، ومثله المخيس.
(4) تكملة من صبح الأعشى.
(5) امتلخ أحلامها: اجتذبها، يريد أمال عقولها نحوه.
(6) إشمأز: إنقبض.
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 175 - ومن كلام له عليه السلام في معنى طلحة بن عبيد الله 3
2 ذكر ما كان من أمر طلحة مع عثمان 5
3 176 - من خطبة له عليه السلام في خطاب الغافلين فصل في ذكر بعض أقوال الغلاة في علي 10
4 جملة من أخبار علي بالأمور الغيبة 13
5 177 - من خطبة له عليه السلام يحذر فيها من متابعة الهوى، ثم يبين منزلته القرآن ويطلب متابعته، ثم يحث على الطاعة وحفظ اللسان 16
6 فصل في القرآن وذكر الآثار التي وردت بفضله 20
7 فصل في الآثار الواردة في شديد عذاب جهنم 35
8 فصل في العزلة والاجتماع وما قيل فيهما 37
9 فوائد العزلة 42
10 178 - ومن كلام له عليه السلام في معني الحكمين 55
11 كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص وهو على مصر 56
12 179 - ومن خطبة له عليه السلام يمجد الله ثم يحذر من الدنيا، ويذكر أن زوال النعم من سوء الفعال 58
13 180 - ومن كلامه له عليه السلام في تنزيه الله سبحانه، وقد سأله ذعلب اليماني: هل رأيت ربك؟ 64
14 181 - ومن كلام له عليه السلام في ذم أصحابه 67
15 182 - ومن كلام له عليه السلام في ذم قوم نزعوا للحاق بالخوارج 74
16 183 - من خطبة له في تنزيه الله وذكر آثار قدرته، ثم التذكير بما نزل بالسابقين، ثم أظهر أسفه على إخوانه الذين قتلوا بصفين، مع ذكر بعض أوصافهم 76
17 نوف البكالي 76
18 نسب جعدة بن هبيرة 77
19 نسب العمالقة 93
20 نسب عاد وثمود 94
21 نسب الفراعنة 94
22 نسب أصحاب الرس 94
23 عمار بن ياسر ونبذ من أخباره 102
24 ذكر أبي الهيثم بن التيهان، وطرف من أخباره 107
25 ترجمة ذي الشهادتين، خزيمة بن ثابت 108
26 ذكره سعد بن عبادة ونسبه 111
27 ذكر أبي أيوب الأنصاري ونسبه 112
28 184 - من خطبة له عليه السلام في تعظيم الله وتمجيده، وذكر القرآن وما احتوى عليه، ثم بيان منزلة الإنسان في الدنيا والتخويف من عذاب الآخرة 113
29 نبذ وأقاويل في التقوى 121
30 طرف وأخبار 125
31 خطبة لأبي الشحماء العسقلاني 126
32 رأى للمؤلف في كتاب نهج البلاغة 128
33 185 - من كلام له في ذم البرج بن مسهر الطائي 130
34 186 - من كلام له عليه السلام في وصف المتقين 132
35 فصل في فضل الصمت والاقتصاد في المنطق 136
36 ذكر الآثار الواردة في آفات اللسان 138
37 ذكر الخوف وما ورد فيه من الآثار 146
38 ذكر بعض أحوال العارفين 161
39 187 - من خطبة له عليه السلام يصف فيها المنافقين 163
40 188 - من خطبة له عليه السلام في تمجيد الله وذكر بعض صفاته 170
41 189 - من خطبة له عليه السلام يعظ فيها الناس ويحث على العمل الصالح قبل فوات الأوان 176
42 190 - من خطبة له عليه السلام يذكر فيها بعض مواقفه من الرسول صلى الله عليه وسلم 179
43 ذكر خبر موت الرسول عليه السلام 183
44 191 - من خطبة له عليه السلام فيها تمجيد لله وتعظيم له، وحث للناس على التقوى ووصف للإسلام وحال الناس قبل البعثة 188
45 اختلاف الأقوال في عمر الدنيا 195
46 192 - ومن كلام له عليه السلام يوصى أصحابه 202
47 فصل في ذكر الآثار الواردة في الصلاة وفضلها 205
48 ذكر الآثار الواردة في فضل الزكاة والتصدق 208
49 193 - ومن كلام له عليه السلام في شأن معاوية 211
50 سياسة علي وجريها على سياسة الرسول عليه السلام 212
51 كلام أبي جعفر الحسني في الأسباب التي أوجبت محبة الناس لعلي 223
52 سياسة علي وإيراد كلام للجاحظ في ذلك 227
53 ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها 232
54 194 - من كلام له عليه السلام، في الوعظ، وفيه استطراد لقصة صالح عليه السلام وثمود 261
55 قصة صالح وثمود 262
56 195 - من كلام له عليه السلام عند دفن سيدة النساء فاطمة عليها السلام 265
57 رسالة أبي بكر لعلي في شأن الخلافة رواية أبي حامد المروروذي 271