والدس اللذان يدلان على ضيق الباع، وخور الطباع! وما هذا الذي لبست بسببه جلد النمر، واشتملت عليه بالشحناء والنكر! لشد ما استسعيت لها، وسريت سرى ابن أنقد (1) إليها، إن العوان لا تعلم (2) الخمرة. ما أحوج الفرعاء إلى فالية، وما أفقر الصلعاء إلى حالية، ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والامر معبد (3) مخيس، ليس لأحد فيه ملمس، لم يسير فيك قولا، ولم يستنزل لك قرآنا، ولم يجزم في شأنك حكما، لسنا في كسروية كسرى، ولا قيصرية قيصر، (تأمل لإخوان فارس وأبناء الأصفر، قد جعلهم الله جزرا لسيوفنا، ودريئة لرماحنا، ومرمى لطعاننا! بل) (4) نحن في نور نبوة، وضياء رسالة، وثمرة حكمة وأثر رحمة، وعنوان نعمة، وظل عصمة، بين أمة مهدية بالحق والصدق، مأمونة على الرتق والفتق، لها من الله تعالى قلب أبى، وساعد قوى، ويد ناصرة، وعين ناظرة.
أتظن ظنا أن أبا بكر وثب على هذا الامر مفتاتا على الأمة، خادعا لها، ومتسلطا عليها!
أتراه امتلخ أحلامها (5)، وأزاغ أبصارها، وحل عقودها، وأحال عقولها، واستل من صدورها حميتها، وانتكث رشاءها، وانتضب ماءها، وأضلها عن هداها، وساقها إلى رداها، وجعل نهارها ليلا، ووزنها كيلا، ويقظتها رقادا، وصلاحها فسادا! إن كان هكذا، إن سحره لمبين، وإن كيده لمتين. كلا والله، بأي خيل ورجل، وبأي سنان ونصل، وبأي منة وقوة، وبأي مال وعدة، وبأي أيد وشدة، وبأي عشيرة وأسرة، وبأي قدرة ومكنة، وبأي تدرع وبسطة! لقد أصبح بما وسمته منيع الرقبة، رفيع العتبة. لا والله لكن سلا عنها فولهت نحوه، وتطامن لها فالتفت به، ومال عنها، فمالت إليه، واشمأز (6) دونها فاشتملت عليه، حبوة حباه الله بها، وغاية بلغه الله إليها، ونعمة سربله جمالها، ويد لله أوجب عليه شكرها، وأمة نظر الله به