وركبوا بنيات (1) الطريق، ضلالا وقلة معرفة بأساليب الكلام، وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط فأقول:
* * * (رأي للمؤلف في كتاب نهج البلاغة) لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعا منحولا، أو بعضه. والأول باطل بالضرورة لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم، والمؤرخون كثيرا منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك، والثاني يدل على ما قلناه، لان من قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفا من علم البيان، وصار له ذوق في هذا الباب، لابد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد، وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء، أو لاثنين منهم فقط، فلا بد أن يفرق بين الكلامين، ويميز بين الطريقتين، ألا ترى أنا مع معرفتنا بالشعر ونقده، لو تصفحنا ديوان أبى تمام، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبى تمام ونفسه، وطريقته ومذهبه في القريض، ألا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه، لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبى نواس شيئا كثيرا، لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه، ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء، ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة.
وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماء واحدا، ونفسا واحدا، وأسلوبا واحدا، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الابعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز، أوله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكل سورة منه، وكل آية مماثلة في